سبه الشريف :
هو ثالث المحمدين الأربعة المعصومين الأثنى عشر ، أولهم محمد رسول الله (ص) وثانيهم الإمام الخامس محمد بن علي الباقر (ع) وثالثهم هو (ع) ورابعهم الحجة الثاني عشر الإمام محمد بن الحسن المهدي (عج) ، الإمام التاسع والمعصوم الحادي عشر ، حجة الله على العباد ، وشفيع يوم التناد ، جواد الأجواد ، ومحل الرشاد ، ومفتاح السداد ، باب المراد ، الإمام الهمام ، ومجتمع الشيعة الأمجاد ، صاحب المصائب من أهل الألحاد والتي تندك لها الجبال الأطواد ، وتتفطر لها السبع الشداد ، الإمام الأقدس ، صاحب المعجزات ، والمأثر المشهورة الإمام محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب سلام الله تعالى عليهم اجمعين ، وأبنائه المعصومين .
فنسبه من نسب والده الإمام الرضا (ع) على - ماعرفت - وأبائه الأطهار صعوداً حتى ابي عبدالله الحسين (ع) فامير المؤمنين (ع) والرسول (ص) .
واما امه فكانت أم ولد يقال لها سبيكة ، ودرة ، وريحانة ، ثم سماها الإمام الرضا خيرزان ، وقد تسمت بالمونسة ، وسكينة المريسية وحريان ، وتكنى أم الحسن ، وكانت نوبية ، وهي أفضل نساء زمانها وكانت من اهل بيت أم المؤمنين مارية القبطية (رض) زوجة النبي الأكرم (ص) ووالدة إبراهيم بن رسول الله (ع) .
مولده عليه السلام :
ولد الإمام الجواد (ع) يوم الجمعة العاشر من شهر رجب الأصب ، من سنة خمس وتسعين ومائة من الهجرة المباركة ، ويؤيد هذا القول بل يؤكده ويلزم به الدعاء المنسوب إلى مولانا الحجة المنتظر (ع) وقد أمر (ع) بقراءته أيام رجب ، وأوله ( اللهم إني اسألك بالمولودين في رجب ، محمد بن علي الثاني ، وابنه علي بن محمد المنتجب ) .
كنيته والقابه عليه السلام :
أما في الكنية فهو يشبه جده محمد بن علي (ع) كما يشبهه في الأسم ، واسم الأب ، أي ابو جعفر ، محمد بن علي ، ولذا اشتهر الإمام الجواد بأبي جعفر الثاني ، تمييزاً عن الإمام محمد الباقر (ع) ، وربما يقال في كنيته (ع) أبو عبدالله ، ايضاً .
وأما القابه فمنها : الجواد ، والتقي ، والقانع ، والمرتضى ، والمختار ، والمتوكل ، والمنتجب ، والنجيب ، والمتقي ، والزكي ، وغيرها .
النص على إمامته عليه السلام :
تعددت وتضافرت الروايات التي تقول بان الإمام الرضا (ع) نص على امامة ولده محمد اكثر من مرة ، وبعضها يشدد على ان أباه الرضا (ع) نص على إمامته قبل ولادته ، أي وهو مايزال جنيناً في بطن امه ، نذكر منها :
روى الشيخ المفيد (رض) في الأرشاد ، عن محمد عن الخيراني عن ابيه قال : كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن الرضا (عليه السلام ) بخراسان فقال قائل : يا سيدي إن كان كون فإلى مَن ؟ قال : (( إلى ابي جعفر ابني )) فكأن القائل استصغر سن ابي جعفر (عليه السلام ) فقال أبو الحسن (عليه السلام ) إن الله سبحانه بعث عيسى بن مريم رسولاً نبياً صاحب شريعة مبتدأة في اصغر من السن الذي فيه أبو جعفر (عليه السلام ) .
روي ايضاً عن احمد بن محمد عن صفوان بن يحيى قال : قلت لرضا (عليه السلام ) قد كنا نسألك قبل ان يهب الله لك أبا جعفر ، فكنت تقول يهب الله لي غلاماً فقد وهب الله لك ، وأقر عيوننا به ، فلا ارانا الله يومك وإن كان كون فإلى مَن ؟
فأشار بيده إلى ابي جعفر وهو قائم بين يديه ، فقلت له : جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين قال : وما يضره من ذلك ؟ قد قام عيسى بالحجة وهو ابن أقل من ثلاث سنين .
وروى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عن الإمام الرضا (ع) أنه قال : أبو جعفر وصيي وخليفتي في أهلي .
وكان الإمام الرضا (ع) يخاطب ابنه هذا بالتعظيم ، وما يذكره إلا بكنيته " ابي جعفر " وهو صبي قليل السن في مقاييس البشر ومفاهيمميز .
وكان الإمام الرضا(ع) يامراصحابه بالسلام على ابنه ابي جعفر (ع) بالإمامة والإذعان له بالطاعة ، وكان يؤكد ويشدد على ذلك .
وروي ايضاً ان عم الإمام الرضا (ع) علي بن جعفر الصادق (ع) الذي عرفناه من جملة ابناء الإمام الصادق (ع) ، كان ذات يوم جالسا في مسجد رسول الله (ص) بالمدينة المنورة ومعه اصحابه ، إذ دخل عليه ابو جعفر الجواد (ع) ، فوثب علي بن جعفر (ع) بلا حذاء ولا رداء ، فقبل يده وعظمه ، فقال له ابو جعفر (ع) يا عم ، اجلس رحمك الله فقال : يا سيدي كيف اجلس وانت قائم ؟ فلما رجع إلى مجلسه جعل اصحابه يوبخونه ويقولون : انت عم أبيه ، وتفعل هذا الفعل ؟ فقبض علي بن جعفر على لحيته وقال لهم : اسكتوا ، إذا كان الله عز وجل لم يؤهل هذه الشيبة وأهل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه ، أنكِرُ فضله ؟! نعود بالله مما تقولون ! بل انا له عبد !!
ثم إن الإمام الجواد (ع) قام بما تحتاج إليه الناس بعد أبيه (ع) لأنه الحجة ، ولا يعجزه عن ذلك صغر سنه لأنه (ع) مستكمل الشرائط ، وهم انوار الله في عالم المكنون والملكوت ، وإنما هم صموت ماداموا لم يؤذن لهم .
وسوف نبحث عن صغر سن الإمام ولياقته للإمامة في بحثنا عن الإمام الحجة الثاني عشر ( عجل )
وعلى اي حال فهذا الإمام الشاب المعصوم عللا صغر سنه لا ينقص فضله وشرفه عن ابائه المعصومين وأبنائه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين . فكلهم نور واحد ذرية بعضها من بعض وكلهم ثمرات الشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أُكلها كل حين بأذن ربها .
فكما تؤتي تلك الشجرة المباركة الكل والثمر كل حين ، كذلك لا تخلو الأرض في كل وقت في وكل حين، وكل ساعة من حجة قائمة عليها ، ومن إمام ساكن عليها وإلا لساخت على الفور باهلها ، وكذلك لا ينقطع الناس ولا يستغنون في كل عصر عن علوم إمام عصرهم وحجة زمانهم ،ولا بد للناس من الرجوع إلى الموجود منهم في كل زمان ، إما شفاهاً بلا واسطة إن كان ظاهراً للأنظار مرئياً بالأبصار ، او إلى نوابه وخدامه الخاصين أوالعامين إن كان غائباً في البلاد ومستوراً عن العباد كا ستتار الشمس وراء الغيم ، مثل إمام عصرنا الحجة الثاني عشر (ع) عجل الله فرجه الشريف .
زوجاته واولاده عليه السلام :
نعرف ممن تزوجهن الإمام الجواد (ع) أم الهادي والدة الإمام العاشر الذي ستلي سيرته إن شاء الله تعالى . وام الفضل بنت المامون والتي سيرد ذكرها أيضاً في احوال هذا الإمام الهمام (ع) وهذه لم تلد له اولاداً .
اما اولاده (ع) فهم أربعة : ذكران وانثيان ، والذكران هما بكره أبو الحسن علي الهادي (ع) الإمام بعده ، واخوه موسى المعروف بموسى المبرقع .
والأنثيان هما فاطمة ولعلها المعروفة بالحكية أو الحكيمة ، المدفونة في سر من رأى ( وسميت بذلك نظراً لمنظرها الجميل بعد بناءها ، ولما خربت وهدمت سميت ساء من رأى وخففت بعد ذلك وسميت سامراء ) في بقعة الإمام الهادي (ع) ، والثانية أمامة ، وهذا قول الشيخ المفيد ( أعلى الله مقامه ) وزاد الشيخ الطبرسي (قد) على ذلك من البنات حكيمة وخذيجة وام كلثوم .
اما ولده الأكبر فهو الإمام أبو الحسن علي بن محمد الهادي (ع) كان الإمام من بعده بنص من أبيه وسنذكر حالاته إن شاء الله تعالى في محلها .
واما ولده الأخر المسمى بموسى والمشهور بموسى المبرقع ، فقد ولد في المدينة المنورة واقام مع أبيه إلى أن استشهد أبوه (ع) ببغداد ، ثم انتقل إلى الكوفة وسكن بها مدة ، وفي سنة ست وخمسين ومأتين هاجر من الكوفة وورد قم وتوطن بها .
وكان موسى يستر وجه عن الناس ويلقي برقعاً عليه ، ولذلك قيل له المبرقع ، وكان يستر وجه خوفاً من شرار بني العباس الذين كانوا يترصدون للعلويين ولأبناء أهل اليت (ع) بين كل شجر ومدر ، وينكلوا بهم .
ثم انه أخرج من قم إلى كاشان ونزل عند احمد بن عبدالعزيز بن دلف العجلي فاكرمه ورحب به وبذل له الأموال واحسن إليه .
ثم خرج جماعة من رؤساء العرب من اهل الكوفة وتفحصوا عن امره وعما جرى بينه وبين اهل قم ، فلما اطلعوا على الأمر ، وبخو اهل قم لسوء معاشرتهم مع موسى وإخراجه عن بلدهم .
فعند ذلك ندم اهل قم في اخراج موسى عن البلد ، واستشفعوا برؤساء العرب الذين قدموا قم من الكوفة ، وطلبوا منهم مراجعة موسى المبرقع إلى قم ومغادرة كاشان والتوطن في بلدهم ، فقبل موسى شفاعتهم وعفى عن اهل قم .
ثم نزل قم مرة ثانية واقام بها مكرماً ، وأقاموا عنده ، وكان له خدم وحشم ومقام عظيم عندالقميين ، واحاطوا به واستفادوا من علمه وفضله .
وكان موسى المبرقع من أهل الحديث والدراية وتوفى في بلدة قم في شهر ربيع الأخر من سنة ست وتسعين ومائتين ، ودفن في بيته ، وكان قبل وروده بقم لمحمد بن الحسن بن ابي خالد الملقب بشنبولة ، وكان من اصحاب الإمام الرضا (ع) ومن رواة الحديث .
قال العطاري صاحب مسند الإمام الجواد (ع) الظاهر أن مخالفة اهل قم مع موسى المبرقع واخراجه عن بلدهم كان لعدم معرفتهم إياه لأنه كان يستر وجهه بالبرقع ولا يظهره للناس ، وكانوا في شكٍ وترديد في شخصه وأمره ، فلما القى البرقع ، وكشف عن وجهه عرفوه وأكرموه نهاية الإكرام .
وقبره اليوم مزار معروف في البلدة المقدسة ، مشهور بـ در بهشت أي باب الجنة تزوره العامة والخاصة .
وكان موسى جد السادة الرضوية وينتهي نسبهم إليه ، والسادة الرضوية المنسوبون إلى الإمام أبي الحسن الرضا (ع) من البيوتات العلوية الجليلة الساكنون في ايران والهند وباكستان وأفغانستان وتركستان والعراق والشام وغيرها من البلاد .
سنوات عمرة وحياته بشكل عام :
كان الإمام الجواد (ع) صغير السن حين تولى الإمامة بعد شهادة ابيه الرضا (ع) فإنه كان ابن سبع سنين وثلاثة أشهر ، او تسع سنوات وأشهراً ، بل كان عمره (ع) على المشهور سبع سنين وسبعة اشهر وسبعة أيام ، ولم يتولَ احد الإمامة في مثل هذا العمر الصغير إلا ابنه الإمام الهادي (ع) بعده . وبعدهما الإمام الحجة (عج )
وكان أيضاً أقل الأئمة عمراً ، فقد عاش (ع) على المشهور خمساً وعشرين سنة وأربعة أشهر وستاً وعشرين يوماً فقط ، وإذا حدفنا منها سنوات حياته مع أبيه (ع) وهي سبع سنوات وتسعة أشهر وتسعة عشر يوماً ، فتكون مدة إمامته سبع عشرة سنة وتسعة أشهر وتسعة عشر يوماً .
مـلـوك عـصره :
عاصر الإمام الجواد (ع) بقية ملك المامون بعد استشهاد الإمام الرضا (ع) وقسماً من ملك المعتصم ، والمعروف المشهور انه (ع) استشهد في اول ملك المعتصم ( وإن قيل أيضاً بوقوع شهادته في ملك الواثق ) لكن هذا القول بعيد لان هلاك المعتصم كان في سنة 227هـ وشهادة الإمام (ع) في سنة 220هـ
معجزاته عليه السلام :
ومن معجزاته (ع) البارعة ما وقع له عند استشهاد أبيه (ع) . منها ما رواه محمد بن ميمون قال : كنت مع الرضا (ع) بمكة قبل خروجه إلى خراسان فقلت له إني أريد أن أتقدم إلى المدينة ، فاكتب معي كتاباً إلى ابي جعفر (ع) فتبسم وكتب كتاباً وسرت إلى المدينة وكان قد ذهب بصري فاخرج الخادم أبا جعفر يحملة من المهد ، فناولته الكتاب فقال موفق ، فضه وانشرره ين يديه . ففضضته ونشرته بين يديه ، فنظر فيه ، ثم قال لي : يا محمد ما حال بصرك فقلت يا ياابن رسول الله اعتليت فذهب بصري كما ترى ، فمدّ يده ومسح على عيني فعاد إليّ بصري كأصح مما كان ، ثم قبلت يديه ورجليه وانصرفت من عنده وانا بصيراً .
علمه ومحاججاته عليه السلام :
تعددت الأخبار والروايات عن سعة علم الإمام الجواد (ع) (كأبائه -ع- ) وقوة ⴽججه وعظمة آياته منذ صغره ، وعن ادهاشه وافحامه العلماء والكبار وهو حدث صغير السن ، فمن تلك الأخبار ، أنه دخل (ع) بعد شهادة أبيه الرضا (ع) خلق كثير من بلاد مختلفه لينظروا إليه ، وكان في المجلس عمه عبدالله بن موسى (ع) ، وهو شيخ كبير نبيل ، عليه ثياب خشنه ، وبين عينيه سجادة كبيرة ، وكان يكرم الجواد (ع) كثيراً على صغر سنه ، والمنادي ينادي هذا ابن بنت رسول الله فمن أراد السؤال فليسأل ، فسئل عن اشياء أجاب فيها بغير الجواب ، ، فرد على الشيعة ما أحزنهم وغمميز واضطربت الفقهاء ، فقاموا وهموا بالأنصراف ، وقالوا في انفسهم : لو كان أبو جعفر (ع) يكمل لجواب السائل لما كان عند عبدالله ما كان من جواب بغير الجواب ، ففتح عليهم باب من صدر المجلس ودخل موفق وقال : هذا ابو جعفر (ع) فقاموا إليه واستقبلوه وسلموا عليه فرد عليهم السلام ، فدخل (ع) وعليه قميصان وعمامة بذؤابتين ، وفي رجليه نعلان ، وجلس وامسك الناس كلهم ، فقام صاحب المسأله فسأله عن مسأله أجاب عنها بالحق ، ففرحوا ودعوا له وأثنوا عليه ، وقالوا له : إن عمك عبدالله أفتى بكيت وكيت ، فقال لا إله إلا الله ياعم إنه عظيم عندالله أن تقف بين يديه - فيقول لك لِمَ تفتي عبادي بما لا تعلم وفي الأمة من هو أعلم منك .
وأما محاجاته فكثيراً جداً ، ولعل من أكثرها شهرة مع يحيى بن أكثم في مسألة مُحرم الذي قتل صيداً ؟ وأجاب (ع) عند ذلك بجواب متفرع ، فحير ابن اكثم واخجله .
ومنها ما حدث في مجلس المعتصم ، وذلك أنهم جاؤوا يوماً بسارق ليجرى عليه الحد ، وكان عنده من علماء المذاهب الإسلامية المختلفة جماعة ، فسألهم عن حكمه ، فحكموا عليه بقطع اليد ولكنهم اختلفوا في حد اليد فقال قوم بان تقطع يده من الكرسوع وهو الزند ، تمسكاً بآية التيمم وحده من الزند ، وقال اخرون بكون القطع من المرفق ، فاحضر الإمام وسأله عن ذلك فتثاقل الإمام (ع) عن الجواب واستعفى منه ، فاصر عليه المعتصم وحلفه وألزمه ، فحكم الإمام (ع) بخطأ الفريقين ، وإن يد السارق لا تقطع إلا اصابعها ، ولا بد من ابقاء الكف للسجود عليه ، تمسكاً بقوله تعالى (( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا )) وإن ما كان لله فلا يقطع ، فاعجب ذلك المعتصم وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف .
علاقته مع المأمون والمعتصم :
بقى (ع) عند المامون معززاً مكرماً ، وذلك تظاهراً من المأمون . وكانات زوجته ام الفضل لا توافقه في الأخلاق والأفعال ، لآنه يكرم كثيراً زوجته ألجليلة أم الإمام العاشر ، وكانت تشكيه لأبيها المامون وهولا يصغي لها لما صدر منه نحو ابيه الرضا(ع) ولم يتعرض لأذيته ولا لأحد من أهل البيت ، علماً بأن ذلك ليس في صلاح دنياه ولا أخراه . وقد علمه الإمام (ع) الحرز المعروف بحرز الجواد (ع) للحفظ من الشرور والبلايا والمكاره والآفات والعاهات وهو من أوثق الأحراز .
ثم خرج (ع) من معاشرة المامون فخرج للحج ، ومعه أم الفضل ، ورجع من مكة بوطن جده (ص) ، فلم يزل بها حتى هلك المأمون ، وبويع لأخيه المعتصم وكان مضى على خلافته (ع) بعد أبيه (ع) ست عشر سنة .
وكان المعتصم أكثر بني العباس تعصباً ةكرهاً لأبناء علي ، وكان يبهره ويحيره ما يسمع من معجزات وكرامات وعلوم الإمام (ع) وفي الوقت نفسه يملأ قلبه خوفاً منه وحسداً ويزيده عداوه . واخيراً قرر أن يستدعيه من المدينة المنورة ليبقيه بجانبه وتحت نظره في بغداد .
فلما بلغت دعوته الإمام ، تهيأ للمسير مع زوجته ام الفضل ، وأوصى لولده الإمام الهادي (ع) وجعله خليفة من بعده ونص عليه بالإمامة بمحضر أكابر شيعته ، ودفع إليه مواريث الإمامة وهو (ع) بعد صغير السن وانصرف (ع) ودخل بغداد في الثامن والعشرين من شهر محرم من سنة عشرين ومأتين للهجرة الشريفه ، وفي بغداد حيث محاججاته وإكبار العلماء والناس له (ع) واياته التي تظهر تزيد المعتصم خشية منه ويتظاهر بتقدير واحترام الإمام (ع) ولذا كان ينتظر فرصة ، ليُضعف فيها الإمام (ع) ويكسفه .
وكان بنو العباس يخافون من الإمام (ع) وينقمون عليه من علمه وحب الناس له ، فكانوا دائمي السعاية والدس له والأفتراء عند المنصور ، ولعل أبرز هؤلاء الأخصام والأعداء جعفر بن المامون ، أخا ام الفضل زوجة الإمام (ع) .
استشهاده عليه السلام :
نظراً لتلك السعايات التي فعلت فعلتها في المعتصم ، قرر التخلص من الإمام (ع) ، فأوعز إلى زوجة الإمام (ع) أم الفضل ، كما أنها فعلت بايعاز من أخيها جعفر بن المامون أيضاً . فجعلت السم في العنب الرازقي واطعمته الإمام (ع) وقيل أنها سمت العنب بمسحه بمنديل مسموم ، وإن الإمام (ع) عندما أحس بأثر السم ادرك انه منها ودعا عليها ، وكانت شهادته (ع) يوم السبت السادس من شهر ذي الحجة الحرام من سنة عشرين ومأتين من الهجرة الشريفة في بغداد ، ودفن في مقابر قريش بظهر قبر جده الإمام موسى الكاظم (ع) وهي اليوم بعيدة عن بغداد مسيرة ساعة في بلدة تسمة الكاظمية ، وفوق بقعتهما قبتان عاليتان من ذهب ، مع اربع مآدن عاليةٍ كبار ، وأربع صغار من جوانبها الأربع . بأحسن ترتيب واجمل هئية .
رزقنا الله تعالى في الدنيا زيارتهما وفي الأخرة شفاعتهما وشفاعة آبائهما الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
ويقال أن جنازته (ع) بقيت ثلاثة أيام بلا دفن ، ومثل هذا القول ورد بشأن جده الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع ) الذي بقي على جسر الرصافة ببغداد كذلك ، وايضاً بقي سيد الشهداء (ع) ثلاثاً .
[center]