بداية المحنة وشهادة الإمام الكاظم عليه
السلام
كان حكام ذلك الزمان يؤذون أبناء النبي صلى الله
عليه وآله وسلم كثيرا، وخاصة الإمام الكاظم عليه السلام، فإنه عليه السلام
لاقى من الخلفاء الجور والآلام والقسوة كثيرة. وهذه الآلام والمحن كانت
تؤلم القلب الطاهر للسيدة المعصومة عليها السلام، وكان المسلي الوحيد لها
وللعائلة هو أخوها المفدى الإمام الرضا عليه السلام. صادفت أيام حياة
الإمام الكاظم عليه السلام عهد خمسة من حكام العباسيين الظلمة، وهم: أبو
العباس السفاح والمنصور الدوانيقي والهادي والمهدي وهارون. وكل واحد من
هؤلاء الطواغيت أذاق الإمام عليه السلام وسائر العلويين المتقين أنواع
العذاب والتنكيل. عندما ولدت السيدة المعصومة عليها السلام كانت قد مضت
ثلاث سنوات من خلافة هارون العباسي الذي كان له قصب السبق في ميدان الظلم
والبطش ونهب أموال المسلمين. وكان تابعا للهوى معجبا بالدنيا. ولم يتيسر
للإمام الكاظم عليه السلام السكوت على ظلم هارون وخيانته للإسلام والامة
الإسلامية لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا ظهرت البدع فعلى
العالم أن يظهر علمه وإلا فعليه لعنة الله"، وأخذ الإمام عليه السلام ينهى
عن المنكر، وقام في وجه سياسة هارون الماحقة للدين. وهارون ـ لعلمه بتشدد
آل علي عليه السلام وخاصة الإمام الكاظم عليه السلام في مقاومة الطواغيت
والإستنكار عليهم ـ استنفد كل الوسائل لإخماد صوتهم وأنفق الكثير من أموال
المسلمين على الشعراء لكي ينتقصوا منهم. وكان يسجن العلويين أويبعدهم ويقتل
بعضا منهم بعد التعذيب الكثير في السجن. وبعد ما استحكمت حكومته الظالمة
على البلاد الإسلامية أمر بإعتقال الإمام الكاظم عليه السلام وسجنه. ومن
هنا حرمت السيدة المعصومة عليها السلام من والدها والإستفادة من معينه
الصافي وذلك في أواخر حياته الشريفة، وشعرت بالحزن الشديد على فقده. وكان
عمر السيدة المعصومة حينذاك أقل من عشر سنوات، وكانت تحترق لفراق أبيها
وتطيل البكاء عليه. وكذلك كان يصعب على الإمام الكاظم عليه السلام فراق
أولاده البررة كالإمام الرضا عليه السلام والسيدة المعصومة، فصبر جميل. كان
الإمام الكاظم عليه السلام قد بدل ظلمة السجن نورا بذكر الله، وبدل تلك
الأيام الصعبة بالسبحات الطويلة إلى أجمل الأيام. ولكن قلبه كان يخفق في
السجن عندما يتذكر ابنته المعصومة ويشتاق إلى لقائها. في السنتين الأخيرتين
من حياة الإمام الكاظم عليه السلام كان ينقل من سجن إلى سجن. بقي عليه
السلام في سجن عيسى بن جعفر والي البصرة سنة، وقد أثرت صفاته الحميدة في
حارس السجن بحيث اعتزل الحارس من حراسة السجن. بعد ذلك حمل الإمام عليه
السلام بأمر هارون إلى بغداد وسجن عند فضل بن الربيع ثم عند الفضل بن عيسى.
وأخيرا نقل إلى سجن السندي بن شاهك. وسبب التنقل بين هذه السجون هو أن
هارون كان يأمر صاحب السجن بقتل الإمام عليه السلام، لكن لم يقدم بل ولم
يقدر أحد من هؤلاء على هذا العمل الشنيع وأبى كل منهم عنه. إلى أن سمه
السندي بن شاهك بأمر من هارون. كان هارون يعرف أن الناس إذا علموا بقتل
الإمام عليه السلام على يديه ستكون له عواقب خطيرة. فبدا له مكر بأن يأتي
بجماعة من الشيعة قبل استشهاد الإمام عليه السلام، لكي يشهدوا أن الإمام
عليه السلام مريض ويجوز أن يتوفى بمرضه ولا يكون موته مستندا بقتله من أحد.
لكن يقظة الإمام ومعرفته بعواقب الامور قد فضحت هارون، فإنه عليه السلام
مع شدة تأثير السم في بدنه الشريف قال لمن حوله: "لقد سمني هذا الرجل بتسع
تمرات وسيخضر بدني غدا وسأقضي بعد غد".