قريباً من المشهد الشريف للسيدة الحوراء زينب (عليها السلام), أحيا جمع كبير من العلماء وممثلي مكاتب المراجع وفضلاء الحوزات العلمية والسياسيين والمثقفين والإعلاميين وطلبة العلوم الدينية, وحشد من الجاليات العربية والإسلامية المقيمة في سوريا الذكرى الثامنة والعشرين لاستشهاد المفكر الإسلامي آية الله السيد حسن الحسيني الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه).. ذكرى الفكر والعلم السنوية الأليمة التي توجت بمشهد شهادة دامية كبيرة, ورحيل عالم وإنسان, عالم كبير بعلمه وجهاده ونشاطه, وإنسان كبير في انجازاته وأهدافه وأحلامه, ولم يكن المشهد الأخير للشهيد الشيرازي وهو مضرج بدم الشهادة والحرية والولاء مشهد ختام بقدر ما كان وما زال وسيبقى نبراساً ومنطلقاً للشعوب التواقة للكفاح ضد أنظمة الظلم والاستبداد والديكتاتورية, فكانت الإطلاقات الغادرة التي استقرت في جسده المنهك بفعل أمراض سجون التعذيب في العراق جواباً لئيماً وغادراً لنظام استبد في حكم العراق بالحديد والنار على ما بذله الشهيد السعيد على طريق تطهير أرض العراق وبلاد المسلمين التي تعاني الجور والفقر والجهل والمرض.
أقيم الحفل التأبيني الكبير مسـاء الأحد 15/جمادى الآخرة/ 1428هـ في الحوزة العلمية الزينبية المشهد الإيماني والثقافي الشامخ الذي شيده الشهيد السـيد حسن الشـيرازي قبل أكثر من ثلاثـة عقود بعد رحلة طويلة ومريـرة وشـاقة.
استهل الحفل بتلاوة آيات كريمة من الذكـر الحكيـم رتلها الحافظ د. مرتضى منصوري ثم كلمة افتتاحية لعريف الحفل الأستاذ محمود العضل.
كلمة الأسرة الشيرازية كانت لسماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي ألقاها بالنيابة عنه فضيلة الخطيب السيد مضر القزويني, الذي قال في مستهل كلمته: يجدر بنا جميعاً ونحن نعيش أجواء الذكرى السنوية لاستشهاد مؤسس الحوزة العلمية الزينبية المباركة المفكر الإسلامي آية الله السيد حسن الشيرازي (قدس سره الشريف) أن نستطلع ونستكشف جوانب من شخصيته التاريخية الفذة لنتعرف على بعض تلك التوفيقات الربانية التي حظي بها طوال حياته الطيبة وبعد ارتحاله الى الرفيق الأعلى أيضاً ولا بد لذلك من ان نستذكر ناموساً من نواميس خالقنا وبارئنا جل وعلا في الكون وهو ذلك القانون الذي يتعلق بتجليه سبحانه وتعالى على عوالم الإمكان فلقد تجلى الله في خلقه عبر خلقه ضمن دوائر تجلياته فكان هو الظاهر لخلقه بخلقه وكان ذلك من عظيم حكمته وواسع رحمته أيضاً وكان من أظهر مصاديق ذلك ما ورد في الحديث إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم فأهل البيت (ع) هم المجلى الإلهي الأكبر وهم وسائط الفيض الإلهي وهم محطة الاستقبال الرئيسية بل الأولى لكافة الألطاف الربانية وهم بعد ذلك مصدر إشعاع ونور وضياء ومعدن عطاء ولكافة العوالم على الإطلاق ثم كان العلماء الربانيون هم التجلي الأظهر للمعصومين الأربعة عشر (ع) فكانوا رشحة من رشحات كمالهم وكانوا شعاعاً من مملكة أنوارهم فكانوا بذلك حصون الإسلام ووكلاء الإمام والحجة على الأنام وكان لا بد أن يتحلى العلماء الأبرار بصفات ومناقبيات يجسدون عبرها وبشكل مصغر ذلك التسامي الرائع لسادات الكون وخلفاء الله الكبير المتعال ولقد وجدنا في الشهيد السعيد المفكر الإسلامي السيد حسن الشيرازي تلك الشخصية الربانية التي تجسدت فيها صفات ومناقبيات يمكننا أن نتعرف عبرها على شعاع واحد من بحر أمواج أهل البيت (ع) اللا متناهية ولو بنحو اللا متناهي اللايقفي.
وقد أكد سماحته في كلمته على الجانب الإبداعي للشهيد السعيد السيد حسن الشيرازي وعلى مختلف المستويات الحوزوية والفكرية والاجتماعية والإنسانية, وتجسيد كل ذلك على أرض الواقع والإنسان, وهو ما جعل من السيد الشهيد الشيرازي نموذجاً متألقاً للإنسان والعالم والمجاهد المتفاني في مجهوداته العقلية والعملية.
وأشار سماحة السيد مرتضى الشيرازي الى المساعي الجادة والدؤوبة للشهيد الشيرازي في إغاثة المظلومين والملهوفين, ونصرة المظلومين والمعذبين, ومعاضدة المحرومين والمهجرين الأمر الذي أعطى للشهيد حسن الشيرازي بعداً إنسانياً سامياً ووجوداً علمائياً نبيلاً وحضوراً وجدانياً سامقاً.. وختم سماحته الكلمة بالدعوة الى العمل من أجل إعمار مراقد الأئمة الطاهرة في البقيع وسامراء المشرفتين والالتزام بمتطلبات المسؤوليات تجاه المراقد الشريفة والمقدسة.
الكلمة الثانية كانت للمؤرخ الموسوعي المحامي محمود زكي شمس الذي قال في جانب من كلمته: " لا أنعيك أيها الشهيد الشيرازي من هذا المكان لأن النعي يعني الموت والفناء, وأنت باق بجميل الشمائل والصفات, وحاضر بالهمة العلياء واليد البيضاء, فكم من نعم أسديتها ومكارم أوليتها وعلوم أحييتها, فأنت المصدر والمورد والمقصد والموعد .
وأضاف: أستحضر في هذا المكان الطاهر روحك الشريفة وسجاياك الطاهرة بين محبيك وتلامذتك النجب لأهمس الى فؤادك والخلق أجمعين ولأقول لك, عندما تعرفت عليك في بداية السبعينيات وأنت تسعى بكل ما أوتيت من مكارم وأخلاق ولهفة ومضاء في رعاية الطلاب وتدبير أحوالهم وشؤونهم ودفع كل المكاره عنهم من أجل اكتساب العلم والمعرفة وكنت أقول خفف الهون عليك فالأمور لا تنقضي بين يوم وليلة فأبيت إلا أن تتم وتعالج الأمور بنفسك.
وألقى في الحفل التأبيني المحامي والشاعر زكي النوري (سوريـا) قصيدة من وحي المناسبة تناول فيها قيم الشهادة والجهاد من أجل حرية الإنسان والأوطان ومآثر الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره الشريف).
شارك في الحفل فضيلة الشيخ ذو الفقار غزال نجل العلامة الشيخ فضل غزال (رحمة الله عليه) من علماء اللاذقية المعروفين والذي كانت له علاقة صداقة وعمل في خدمة أهل البيت (ع) مع السيد الشهيد الشيرازي, الذي قال في جانب من كلمته: في ذكرى الشهيد السعيد سماحة السيد حسن الشيرازي (قدس سره الشريف) في ذكراه تبكي بيوتات الساحل كله, في ذكراه تتذكر تلك الجبال العالية ذلك الوجه الكريم الشريف سليل الطاهرين الذي جاءها وهو على يقين أنها ليست في ظلمات ليهديها الى النور , وليست ناقصة في وعي ليكمله بل جاءها ليعود بها وتعود الى ذلك الخط الذي كانت عليه والى ذلك الصراط المستقيم الذي سارت عليه وهو ولاية محمد وآل محمد (ع) على امتداد حقب الزمان في هذه الجهة من أرض الشام ولذلك شاركنا في هذه المناسبة لأن الشهيد السعيد كان أخاً لهؤلاء المسلمين الذين اصطلح عليهم "المسلمـون العلويـون" وشرف كبير أن نلحق على الأقل بالتسمية باسم أمير المؤمنيـن علـي بن أبي طـالب (ع) ونحن على ولايته إن شاء الله تعالى .
وأشار الشيخ غزال الى المشاريع الإيمانية والخيرية التي أسسها وشيدها الشهيد الشيرازي في مناطق شتى من الشام معللاً جهوده تلك اهتمام الشهيد السعيد بآلام الناس وعذابات الفقراء ومعاناة الأحرار, وهو ما ينبغي – والكلام للشيخ غزال - على أحباء الشهيد الإلتفات الى ذلك الشعور الإنساني النبيل للشهيد الشيرازي والإمتثـال لقيمه الرائعة, مشيراً فضيلته من خلال ذلك الى أهمية الوعي الديني والفكري والسياسي في حياة الإنسان على مستوى الفرد والمجتمع, فالأوضاع التي يمر بها الأمة جدير بأن تدفع المؤمن الواعي والملتزم الى أن يتأمل في الأسباب التي أدت الى ما يجري بل وكل ما يجري, وما هي السبل الكفيلة للخروج من هذه المحن التي تمر بها المنطقة ومعظم أجزاء العالم.
وقال الشيخ غزال: بعد أن ظلم الظالم وجار اللئيم علينا هربنا الى الجبال كانت أول فتوى كريمة أعطت حقوق المسلمين العلويين لسماحة الإمام الراحل السيد محمد مهدي الشيرازي (قدس سره الشريف) الذي أعطانا حقنا فيها وشهد على سلوكنا وأعمالنا أننا مسلمون نشهد "أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" وكانت هذه الفتوى الخالدة بعد جولة كريمة جالها الشهيد السعيد السيد حسن الشيرازي في جبالنا وبيوتنا فترك صورة حضارية ورائعة عن المرجعية وهي كذلك في قلب كل واحد في مناطق الساحل من أرض الشام.
خاتمة الكلمات كانت للمرشد العام للاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية خارج الوطن فضيلة د. أسعد علي ألقاها نيابة عنه ممثله د. المهندس نبيل سليمان, وقد قال في جانب من كلمته: ان السيد حسن الشيرازي أمير من أمراء البحث وفقيه من فقهاء الموضوعية, وان موسوعة الكلمة الحسنية وثائق إقناع بإمارته الموضوعية بستة وعشرين مجلداً أكد فيها غاية فصول البحث: مرونة وتموجاً ليكون العلم بأسماء الرحمن الآدمية, موضوعية السيد حسن الشيرازي جاذبة الى تقديره لذات موضوعيته ودافعة الى تقديره لتأثيره النافع .
وأضاف د. أسعد: أمير الموضوعية في الموسوعة الكليمية السيد حسن الشيرازي مستحق لتقدير الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية خارج الوطن العربي, وان مشاركة اتحادنا في الذكرى الثامنة والعشرين للتذكرة بما لا ينسى.
وختام المجلس التأبيني كانت لفضيلة الخطيب السيد حاكم اليعقوبي ومع المنبر الحسيني الذي خدمه الشهيد السعيد السيد حسن الشيرازي طويلاً توجه بخدمة للشعائر الحسينية عبر كتابه الشهير "الشعائر الحسينية" الذي طبعه مؤمنون مرات ومرات في أكثر من بلد.
موضوع: في ذكرى استشهاد المفكر الإسلامي السيد حسن الحسيني الشيرازي 
الخميس يوليو 05, 2007 12:52 pm
