السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انقل اليكم خطاب المرحلة 156 الذي يصدره اية الله العظمى الشيخ اليعقوبي (دام ظله الوارف )
ارجو القراءة والإستفادة من مضامينة العالية جدا
ورد في الروايات أن أصحاب الإمام المهدي الموعود (أرواحنا له الفداء) الذين يبدأ بهم حركته المباركة هم ثلاثمائة وثلاثة عشر كما روى الشيخ الطوسي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: )يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم( ([1]) وفي حديث عن أمير المؤمنين جاء فيه )...وبقي المؤمنون، وقليل ما يكونون ثلاث مائة أو يزيدون)( .([2] ومثل هذه الروايات تدفعنا إلى السؤال بتعجب: ألا يوجد في هذه الملايين من الموالين لأهل البيت (سلام الله عليهم) ثلاثمائة وثلاثة عشر ممن يقتنع بهم الإمام (عليه السلام) لينطلق بحركته المباركة خصوصاً وإنهم يمتلكون السلطة والنفوذ في أكثر من دولة ويرفعون فيها شعار طاعة المرجعية الدينية وولاية الفقيه النائب عن الإمام (عليه السلام)؟! فأين المشكلة؟
والجواب توضّحه الروايات فقد روى جابر الجعفي قال: ( قلت لأبي جعفر عليه السلام متى يكون فرجكم؟ فقال: هيهات هيهات لا يكون فرجنا حتى تغربلوا ثم تغربلوا يقولها ثلاثاً حتى يذهب الكدر ويبقى الصفو) ([3]) وعن أبي عبد الله عليه السلام قال (كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى، ولا علم، يبرأ بعضكم من بعض فعند ذلك تميـَّزون وتمحصـَّون وتغربلون الخ) ([4]) وشبّه الإمام الباقر (عليه السلام) هذه الصفوة المنتجبة بطعام في بيت (فأصابه آكل – أي تسوّس- فنقّي ثم أصابه آكل فنُقّي حتى بقي منه ما لا يضرُّه الآكل، وكذلك شيعتنا يُميَّزون ويُمحصَّون حتى يبقى منهم عصابة لا تضُّرها الفتنة) ([5]) فلا زالت سنة التمحيص والغربلة جارية حتى يثبت المخلصون وقليلٌ ماهم، من لدن رسول الله (صلى الله عليه واله) إلى اليوم والشواهد كثيرة فرسول الله (صلى الله عليه واله) الذي عاش بين أظهرهم (23) سنة يبلغهم رسالات ربهم ويخبرهم بما في خلجات أنفسهم وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى من لدن ربهم الذي هو اقرب اليهم من حبل الوريد ويعلم ما توسوس به أنفسهم ولم يردعهم ذلك عن قول (إن الرجل ليهجر) حينما طلب منهم قرطاسا ودواة ليكتب لهم كتاباً لن يضلَّوا من بعده أبدا، وانقلبوا على الأعقاب ولم يستجب لدعوة أمير المؤمنين لنصرته واسترداد حقه إلا عدد الأصابع.
والإمام الحسن (عليه السلام) اضطر إلى مهادنة معاوية بعد فشل أصحابه في الثبات على الحق والإمام الحسين (عليه السلام) لم يثبت معه إلا سبعون من هذه الدنيا الواسعة، ورغم انه عبّأ لحركته بمختلف الوسائل حيث أقام عدة أشهر في مكة والتقى بوفود مختلف المدن وبعث بالرسائل إلى الوجوه وكانت حركته معلنة وواضحة حتى قال (عليه السلام) (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون).
ولقي عباد البصري علي بن الحسين عليهما السلام في طريق مكة فقال له: يا علي بن الحسين تركت الجهاد وصعوبته، وأقبلت على الحج ولينه، وان الله عز وجل يقول: ((إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً)) فقال الإمام عليه السلام : أتم الآية ، فقال: ((التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ)) إلى قوله تعالى ((وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)) فقال الإمام عليه السلام (إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج) ([6]) هذه اللوعة وهذا الألم من قلة المخلصين عبّر عنه الإمام الصادق (عليه السلام) في كلامه مع سدير الصيرفي حين دخل على الإمام (عليه السلام) (فقال: يا أبا عبد الله ما يسُعُك القعود، فقال عليه السلام: ولِمَ يا سدير، فقال: لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك، فقال (عليه السلام): يا سدير وكم عسى أن يكونوا؟ قال: مائة ألف فقال الإمام (عليه السلام) مستغرباً: مئة ألف، قال: نعم ومائتي ألف، فقال (عليه السلام) له : لو كان عندي عدد أصحاب النبي صلى الله عليه واله في بدر لنهضت) ([7]) وهكذا تستمر الشواهد إلى أن نصل إلى عصرنا الحاضر وقد ذكرنا في حديث سابق ألم وأسف الشهيد الصدر الأول (قده) قبيل استشهاده والشهيد الصدر الثاني (قده) بعد الانتفاضة الشعبانية عام 1991 والذي يراقب عمل المتصدين اليوم في الدول التي ترفع لواء التشيع والولاء للإمام (عليه السلام) (فضلا عن غيرهم) يصل إلى نفس النتيجة فقد طغى حب الدنيا وقست القلوب (وأحضرت الأنفس الشحَّ) وشيئا فشيئا سقطوا في الفتنة وتخلّوا عّما تعلمّوه من أهل البيت (سلام الله عليهم) ولم يتورعوا عن ارتكاب المحرمات حتى ولغوا في الدماء التي شدّد الله تبارك وتعالى في حرمتها حتى جعلها اشد من حرمة الكعبة! ومن أجل ماذا؟ من أجل دنيا زائفة سمّوها مصالح عليا ولا زال دم العراقيين الأبرياء ينزف لأنه أريد له أن يكون كبش فداء لهذه المصالح العليا لمن يرفعون لافتات الإسلام في العراق ودول الجوار ولا اعلم شيئا عند الله أكرم من الإنسان الذي خلق كل ما في الدنيا من اجل كماله ورقيه وسعادته.
إن الإمام المهدي (سلام الله عليه) بمرأى وبمسمع من كل هذه الأفعال بنص الآية الشريفة (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة105) حيث تعرض أعمال العباد عليه لأنه حجة الله على خلقه.
قد يقال ان هذا الكلام يزرع اليأس في قلوب الناس وأنا أقول العكس فانه:
يزرع الأمل ويدفعنا للعمل لنكون من تلك القلّة التي حماها الله تبارك وتعالى من الوقوع في الفتنة حتى تشملها ألطاف صاحب العصر (عليه السلام) وتحظى برضاه ونكون ممن يمهّد لدولته المباركة. ونزداد بذلك شكراً الله تبارك وتعالى.
وانه يحذّر الأمة من الوقوع في شراك الشعارات البراقة فيجعلها الآخرون وقوداً يحترق لتستمر ماكنة مصالح أولئك الآخرين بالعمل فينالون بذلك خزي الدنيا وعذاب الآخرة ويكونون من اشد الناس حسرة وندامة يوم القيامة الذين باعوا دينهم لدنيا غيرهم كما في الحديث الشريف.
وانه يخفّف عن الرساليين العاملين حين يطمأنون بأن ما يجري خاضع لسنة الله في خلقه (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) (فاطر43) وليتيقنوا ان المعيار الحقيقي هو بناء الإنسان الصالح المخلص وليس ما يلهث وراءه الآخرون من دنيا زائلة وان رفعوا شعارات برّاقة.
إن الاحتلال والإرهاب وغيرهما أعداء حقيقيون لكنهم واضحون والأخطر منهم عدو خفي يكمن في النفوس الأمارة بالسوء ولذا سمّى النبي (صلى الله عليه واله) مواجهته بالجهاد الأكبر فلا يحق لإنسان يطمح إلى الكمال أن ينشغل بذاك عن هذا، وليعلم السبب الحقيقي الذي يعطّل حركة الأئمة نحو بناء المجتمع الذي يقوم على أساس الحق والعدل، أما الأعداء الآخرون فهم كما وصفهم الله تبارك وتعالى (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت41)
محمد اليعقوبي