حرب تحت قبة الكونكرس

مازال بوش يواصل تحدى الجميع ويصر على الاستمرار فى العراق رغم حمامات الدم التي لا تتوقف فى البلد المنكوب بالاحتلال والتي لا تقتصر خسائرها على العراقيين فقط وإنما تطال أيضا الأمريكيين أنفسهم لدرجة أصبح معها عدد قتلى الاحتلال يقترب فى بعض الأحيان من عدد الضحايا في أوساط المدنيين الأبرياء ، ما يؤكد أن أمريكا تخسر بالفعل فى العراق .

إلا أن تلك الحقيقة يبدو أنها لا تعنى شيئا بالنسبة لبوش الذى نفذ تهديداته واستخدم الفيتو ضد قرار كان قد أقره الكونجرس مؤخرا ويربط استمرار تمويل الحرب بوضع جدول زمنى للانسحاب من العراق يتضمن انسحابا تدريجيا اعتبارا منذ الأول من أكتوبر المقبل على أن يكتمل الانسحاب بعد ستة أشهر.

وخلال كلمة وجهها للشعب الأمريكي فى مطلع مايو بعد استخدام الفيتو ، قال بوش :" إن التشريع هو وصفة للفوضى والإرباك وعلينا عدم فرضها على قواتنا، المشروع سيفرض موعداً نهائياً زائفاً وجامداً على قواتنا بالانسحاب" .

ومن جانبهم ، اتهم الديمقراطيون بوش بتجاهل رغبة الشعب الأمريكي بوقف الحرب التي راح ضحيتها أكثر من 3350 جندياً حتى الآن .

وأوضح زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ السيناتور هاري ريد أن بوش وضع القوات الأمريكية في خضم حرب أهلية فى العراق، مشددا على ضرورة تغيير الاستراتيجية الأمريكية هناك عقب مايزيد على أربعة أعوام من مما أسماه بالسياسات الفاشلة للإدارة ، داعيا إلى تحميل العراقيين المسئولية عن مستقبل بلادهم .

ويرى مراقبون أن قرار الكونجرس فقد أهميته بعد استخدام بوش الفيتو ضده لأن من شأن هذا أن يعيد القرار مجددا للكونجرس لإدخال تعديلات عليه وفى كل الأحوال لن يتراجع الديمقراطيون عن موقفهم وبالتالى لن يخرج القرار للنور فى الأمد المنظر .

لقد كانت الحالة الوحيدة لإحباط فيتو بوش ودخول القرار حيز التطبيق رغما عن إرادة بوش هو أن يحظى بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ أى ستين عضوا وفقا لنصوص الدستور الأمريكي إلا أن هذا لم يتحقق وكانت الموافقة على القرار بأغلبية بسيطة.

ورغم هذا فإن القرار يؤشر لصدامات لن تنتهي بين الديمقراطيين وبوش فى المرحلة المقبلة لأن الرئيس الأمريكي لن يكون بمقدوره بعد ذلك الحصول على موافقة الكونجرس لأى تمويل إضافي للحرب في العراق.

ولم يعد أمام بوش - بحسب المراقبين - سوى خيارات محدودة جدا للخروج من المستنقع العراقي منها التفاوض مع سوريا وإيران أو الإطاحة بحكومة المالكي.

وبالنسبة للخيار الأول ، فإنه جاء في توصية للجنة التى شكلها الكونجرس في مارس 2006 برئاسة جيمس بيكر وزير الخارجية الأسبق‏ لبحث سبل الخروج من المأزق العراقى ، ورغم أن بوش كان يعتبر فتح حوار مباشر بين واشنطن وكل من طهران ودمشق‏ بشأن العراق وإنهاء الخلافات معهما بمثابة اعتراف بهزيمته ، إلا أنه قبل مؤخرا بهذا الخيار لفشله في القضاء على المقاومة ووافق على مشاركة إيران وسوريا في مؤتمر دولى حول العراق عقد في بغداد في العاشر من مارس .

إن استراتيجية بوش الجديدة في العراق التى أعلن عنها في العاشر من يناير الماضي وتعلقت بإرسال قوات إضافية للعراق قامت على فكرتين رئيسيتين هما الإصرار على الحل العسكري للأزمة وإبعاد كل من إيران وسوريا عن أي مشاركة في حل الأزمة العراقية ، بل على العكس تصعيد المواجهة مع كل منهما ، إلا أن الرياح تأتى بما لا تشتهى السفن وفشلت الاستراتيجية الجديدة فى تحسين الأوضاع الأمنية ,

كما بدأ عقد الاحتلال ينفرط حيث أعلن رئيس الوزراء البريطانى تونى بلير ، أقرب حلفاء بوش ، في الحادي والعشرين من فبراير عن خطط لسحب القوات البريطانية بحلول نهاية 2008 ، وتخفيض تلك القوات خلال الأشهر القليلة المقبلة بمقدار 1600 جندي، واقتصار مهام القوات الباقية، والتي يبلغ قوامها 5500 جندي في تقديم الدعم لقوات الأمن العراقية .

وبعد يوم من تصريحات بلير ، أعلنت الدنمارك أنها سوف تسحب بعض قواتها المنتشرة في العراق أو كلها بحلول شهر أغسطس المقبل ، ولذا لم تجد إدارة بوش من ملاذ سوى اللجوء إلى سوريا وإيران لتحويل الهزيمة العسكرية على الأرض إلى انتصار دبلوماسي .

أما بالنسبة للخيار الثانى ، فإنه جاء أيضا في تقرير لجنة بيكر عندما أوصى بالضغط على الحكومة العراقية لتحقيق أهداف محددة لتحسين الأمن وإلا تتعرض لتقليص الدعم الاقتصادي والعسكري الأمريكي لها، ويبدو أن هذا الخيار هو الأكثر قبولا من جانب بوش، بعد أن طالب في الرابع والعشرين من أكتوبر الماضى رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى بتحديد جدول زمنى لإنهاء العنف ومنحه مهلة عام لإنهاء الحرب الأهلية‏,‏ ونزع سلاح ميلشيات الشيعة وبدء برنامج تحسين الخدمات لإعفاء نفسه من مسئولية تدهور الأوضاع ورمى الكرة فى ملعب المالكى.

ونشرت الصحف الأمريكية في أواخر فبراير 2007 تقارير حول استراتيجية أمريكية جديدة تحمل اسم "الديكتاتور العادل" وتسعى لإسقاط حكومة نوري المالكي بعد فشل خطتها الأمنية عبر انقلاب عسكري يقوده ضابط قوي مدعوم من واشنطن يكون في مقدوره فرض الأمن والاستقرار .

ووفقا لتلك التقارير ، فإن التفاهم بين بوش والمالكى وصل إلى طريق مسدود منذ بداية العام الحالى بعدما وجه بوش انتقادات للمالكي بسبب الطريقة التي أعدم بها صدام حسين ووصفه لحكومة المالكى بأنها مازالت تحتاج لبعض النضج ، ومسارعة المالكي إلى الرد بتصريحات قال فيها إن بوش لم يكن يوما بالضعف الذي هو عليه اليوم بعد فوز الديمقراطيين ، ما يؤكد أن المالكى سيدفع عاجلا أم آجلا ثمن إخفاقات بوش .

وإجمالا ، يمكن القول إن بوش بات عاجزا عن تحقيق أى إنجاز خلال الفترة القليلة المتبقية من رئاسته والاعتراف بالهزيمة في العراق هو أمر أصبح قاب قوسين أو أدنى.

تحت قبة الكونجرس .. ثورة ضد بوش

أقر مجلس النواب الأمريكى في الثالث والعشرين من مارس الماضى مشروع قانون يقر الاعتمادات الإضافية التي طلبها بوش لدعم جهود الحرب في العراق وأفغانستان والتي تبلغ 124 مليار دولار بشرط بدء سحب القوات الأمريكية المقاتلة في العراق اعتبارا من اكتوبر 2007 ، كما جاء فى مشروع القرار أنه إذا لم تف الحكومة العراقية بالشروط التى وضعتها إدارة بوش لمواصلة دعمها فإنه يجب البدء في سحب القوات بعد أربعة أشهر من تمرير القرار من قبل الكونجرس بمجلسيه.

ووجه مجلس الشيوخ هو الآخر صفعة قاسية لبوش عندما وافق في التاسع والعشرين من مارس الماضى على مشروع القرار .

وفى تعقيبه على موافقة مجلس الشيوخ على القرار ، هدد بوش باستخدام "الفيتو" ضد أي قانون يدعو لانسحاب القوات الأمريكية من العراق ، متهما الديمقراطيين بسعيهم من خلال موقفهم ذلك إلى تحقيق مكسب سياسي برغم إدراكهم أنهم لن يحصلوا على أغلبية الثلثين التي تمكنهم من تجاوز فيتو الرئيس.

وفى مطلع مايو 2007 ، استخدم بوش بالفعل الفيتو ضد القانون الذى أقره الكونجرس بمجلسيه .

خسائر لاتحصى ولاتعد

يتضاعف عدد القتلى الأمريكيين كلما طال الوقت فى العراق ووصل بحسب إحصاءات البنتاجون إلى حوالى 3350 قتيل حتى أواخر إبريل 2007 .

وفى 23 إبريل ، تكبد جيش الاحتلال الأمريكى أكبر عدد من الخسائر في يوم واحد خلال عام 2007 ، حيث لقى تسعة جنود أمريكيين مصرعهم ، كما جرح 20 آخرين فى عملية انتحارية نفذها شخصان بسيارتين ملّغمتين ضد قاعدة عسكرية فى محافظة ديالى شمال غربى بغداد.

وأوضح بيان للجيش الأمريكى أن جميع القتلى يتبعون الفرقة 82 المحمولة جوا في الجيش الأمريكي ، وقال الرائد طوم إيرنهاردت المسئول عن الشؤون الإعلامية في القوات الأمريكية إن هذا الحادث يمثل أكبر خسارة منفردة في أرواح القوات التابعين لقاعدة فورت براغ منذ أكثر من خمسة أعوام من الانتشارالمتزامن.

وأثار الهجوم مخاوف جيش الاحتلال بشأن تزايد الهجمات الدموية باستخدام السيارات الملغومة هذا العام وقدرة العناصر المسلحة على اختراق الإجراءات الأمنية الصارمة التي يتبناها الجيش الأمريكي والأمن العراقى.

وكان الجيش الأمريكي قد تكبد 81 قتيلاً خلال شهر مارس الماضى وهو نفس العدد الذي تكبدته القوات الأمريكية في فبراير الماضى .

ومازال يوم السادس والعشرين من يناير من العام 2005 أكثر الأيام دموية للقوات الأمريكية حيث شهد مقتل 37 جندياً، بينهم 31 من عناصر المارينز، قضوا في تحطم مروحية كانت تقلهم.

وكان يوم 23 مارس عام 2003، أي بعد ثلاثة أيام من بدء الحرب على العراق، قد سجل مقتل 31 جندياً من عناصر المارينز، حيث يعد ثاني أسوأ يوم للجيش الأمريكي هناك.

وشهد يوم السبت 20 يناير 2007 مقتل 25 جندياً أمريكياً، بينهم 12 في تحطم مروحية عسكرية بشمال شرق بغداد، مما يضعه كثالث أكثر الأيام دموية للقوات الأمريكية.

ويعتبر نوفمبر من العام 2004، أكثر الشهور التي سقط فيها جنود قضوا في مواجهات عنيفة مع مسلحين في الفلوجة حيث سجل مقتل 137 جندياً.

كما يأتي شهر إبريل من العام نفسه (2004) في المرتبة الثانية حيث سجل مقتل 135 جندياً.

ويحل ديسمبر 2006 في المرتبة الثالثة بعدما سجل مقتل 109 جنود أمريكيين كما يعد الأعلى في العام 2006.

ويأتي شهر يناير من العام 2005، في المركز الرابع، حيث سجل 107 قتلى، فيما يأتي أكتوبر 2006 في المرتبة الخامسة بمقتل 106 جنود.

شكرا على التقرير المفصل والواضح

بس يا هو اليسمع ويشوف

صفحة 1 من اصل 1