قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ))[ .
نزلت هذه الآية الكريمة على النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) تأمره أن يبلِّغ ما أمره الله سبحانه به.
وقد ذكر ثقاة المفسرين أنها نزلت على النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) لكي يبلِّغ ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الناس، وقد ذكر المفسرون والمؤرخون والمحدثون جميعاً في تفسير هذه الآية: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قرّر الذهاب إلى الحج في السنة الأخيرة من حياته، والذي عرف فيما بعد بحجة الوداع]، فوجّه (صلى الله عليه وآله) نداءه إلى المسلمين كافة يدعوهم فيه إلى أداء فريضة الحج وتعلّم مناسكه منه، فانتشر نبأ سفره، وصدى ندائه في المسلمين جميعاً، وتوافد الناس إلى المدينة المنورة، وانضمّوا إلى موكب الرسول (صلى الله عليه وآله) حتى بلغ عدد الذين خرجوا معه (120) ألفاً على أغلب الروايات، وفي بعض مصادر العامة (180) ألفاً، والتحق بالنبي (صلى الله عليه وآله) ناس كثيرون من اليمن ومكة وغيرهما، ولمّا أدى الرسول (صلى الله عليه وآله) مناسك الحج انصرف راجعاً إلى المدينة، وخرجت المسيرة التي كانت تربو على (120) ألفاً من المسلمين، حتى وصلت إلى أرض تسمى «خُم»وفيها غدير اجتمع فيه ماء المطر يدعى (غدير خم) وكان وصولهم إليه في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة من عام حجة الوداع وفي سنة عشر من مهاجره (صلى الله عليه وآله).
وعندما وصلت المسيرة العظيمة إلى هذه المنطقة هبط الأمين جبرئيل من عند الله تعالى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) هاتفاً بالآية الكريمة: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)) أي: في علي (عليه السلام) فأبلغ جبرئيل الرسول (صلى الله عليه وآله) رسالة الله إليه: بأن يقيم علي بن أبي طالب (عليه السلام) إماماً على الناس وخليفة من بعده ووصياً له فيهم، وأن يبلغهم ما نزل في علي (عليه السلام) من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد.
فتوقف النبي (صلى الله عليه وآله) عن المسير وأمر أن يلحق به من تأخر عنه ويرجع من تقدم عليه، وكان الجو حاراً جداً حتى كان الرجل منهم يتصبب عرقاً من شدة الحر وبعضهم كان يضع بعض ردائه على رأسه والبعض الآخر تحت قدميه لإتقاء جمرة الحر وشدته.
وأدركتهم صلاة الظهر فصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناس ومدت له ظلال على شجرات ووضعت أحداج الإبل بعضها فوق بعض حتى صارت كالمنبر، فوقف الرسول (صلى الله عليه وآله) عليها لكي يشاهده جميع الحاضرين ورفع صوته من الأعماق ملقياً فيهم خطبة بليغة مسهبة، ما زالت تصكُّ سمع الدهر، افتتحها بالحمد والثناء على الله سبحانه، وركّز حديثه وكلامه حول شخصية خليفته الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وذكر فضائله ومناقبه ومزاياه ومواقفه المشرّفة ومنزلته الرفيعة عند الله ورسوله، وأمر الناس بطاعته وطاعة أهل بيته الطاهرين، وأكّد أنهم حجج الله تعالى الكاملة، وأولياؤه المقرَّبون وأُمناؤه على دينه وشريعته، وأنّ طاعتهم طاعة الله تعالى ورسوله ومعصيتهم معصية لله، وإنّ شيعتهم في الجنة ومخالفيهم في النار.[i]