كتابات - مشتاق طالب عيسى
أن تدرس التاريخ : سهل .. أن تتعلم منه صعب جداً - أنيس منصور
إذا كان لنا أن نعرف خبايا نظام سياسي ما ، فحري بنا أن نلتقط العِبر من أفواه السجناء ! - أنا
طبعاً ، الحكومات المتعاقبة بعد 2003 تحاول استمالة الرأي العام العالمي والاقليمي لصالحها ، فمحاكمة رأس النظام المخلوع وزبانيته ربما قدر لها أن تستمر لسنوات أخرى لولا حفيظة الولايات المتحدة من إفشاء أسرار العلاقة الستراتيجية ما بين البعث وصناع القرار الغربي لعشرات السنين...
والسؤال هو : هل حقاً تتم المحاكمات في العراق اليوم على الوتيرة نفسها التي يتم فيها احضار الشهود والادلة والسماح للدفاع باستخدام كل السبل القانونية للدفاع عن المتهمين ، بعبارة اخرى هل أن المعتقلين الآن في سجون دولة القانون هو "مدللين" و"نظيفين" كما يظهر لنا أقطاب الحقبة السابقة من على الفضائيات ؟؟
أشيع مؤخراً أن نحو 70% من الاعتقالات ومنذ أن بدأ (الفرسان) صولتهم على المدن الفقيرة تتم تحت بند يعرف بـ(المخبر السري) ، ويقال ايضاً أن شكاوي المنظمات الإنسانية والمواطنين المتضررين حدت بمراكز القرار في خضراء بغداد لأصدار كتب رسمية تلغي أو (تحجّم) دور المخبر السري داخل خلايا الأمن (النائمة) عن الإرهاب والإرهابيين والناشطة في الاستعراضات الجوفاء التي لن تغني ولن تسمن من جوع ...."ديالى نموذجاً".
وفي عراق اليوم ،يمكنك بكل بساطة أن تصبح مخبراً سرياً ، فقط يكفي أنك تحمل قدراً معتداً به من السخط على "شخص ما" مع بعض العلاقات المتينة مع جهات أمنية من الطبقة المتوسطة فما فوق ، فتصبح مخبر سري يعتمد عليك القضاء العراقي (النزيــه) في كل صولاته وجولاته على خلق الله....
وفي بغداد ،خضراء تصدر القرارات ، وفي الديوانية وديالى والبصرة وغيرها خضراوات تماثلها ثقلاً وتعاكسها من حيث القرار ، في الديوانية مثلا لا يعبئون كثيراً بأوامر (دولته) ويطبقون ما يحلو لهم وما يناسب أجندتهم ، فإذا قال (مثلاً) أوقفوا المداهمات العشوائية لكل ما يمت بصلة الى الصدر المقدس فإن (جلاديهم) و(صغيرهم) يأمرون بأن تشدد حملات الدهم والاعتقال العشوائي ضد اتباع الصدر في كل زاوية ويأتون بمن يشاؤون ولو كان معلقاً بأستار الكعبة !!
وفي البصرة قصور رئاسية ، توارثها الأنكليز من سلطة البعث ، وحالياً ترمز القصور الى السلطة الفعلية في البلاد ....فهي مزيج من خلايا الأمن المرتبطة بالمالكي والقوات البريطانية ومجاميع الـCIA بالاضافة طبعاً الى شلة المخبرين السريين الذين لا عدد محدد لهم..
هذه السلطات تقوم باعتقالات الغاية منها سياسي في أغلب الأحيان وقد برز دورها الفعّال في فترة ما قبل الإنتخابات المحلية الاخيرة حيث قامت باعتقال مجموعة من المرشحين أو ممن (ينوون الترشيح) بدعاوى شتى جمعها الخشية من الشعبية النسبية التي يملكها بعضهم ، وطمعاً في الأموال التي يمكن أن تغري (أكبر) مسؤول !
وواقع الحال ، ان الحالمين بدولة المؤسسات عليهم أن يعترفوا بالفشل الذريع طالما بقيت نظرية المخبر السري فاعلة ومؤثرة في الواقع العراقي ، وهي تمثل –الى جانب حرمتها الشرعية والاخلاقية- وسيلة اغراء لضعاف النفوس لبلد عانى من ثلاثة حروب كارثية طيلة خمسة وثلاثين عاماًُ ، مع ما يستتبع ذلك من آثار اجتماعية مدمرة لم يظهر منها الآن سوى رأس الجبل الجليدي .
يروي احد المعتقلين بتهمة تفجير لرتل بريطاني منذ عام 2005 أن أحد المتنفذين من رجالات الأمن أتى له بورقة فيها ما يثبت ملكيته لقطعة ارض في مكان باهض الثمن وطلب منه أن يوقع على بيعها مقابل اطلاق سراحه !!
فيا لله ولدولة القانون !