مرشحو الرئاسة وقضايا فلسطين والعراق ولبنان
بعد استعراض مواقف أبرز مرشحى الرئاسة من القضايا الداخلية التى تشغل بال مسلمى فرنسا ، نلقى نظرة على مواقفهم من القضايا الخارجية التى تهم الجالية العربية والمسلمة.
ويجب الاشارة هنا إلى أن زيارة مرشحى الرئاسة الفرنسية لمنطقة الشرق الأوسط أصبحت تقليدا متبعا فى الانتخابات الفرنسية إذ قام المرشحان الرئيسان جاك شيراك عن حزب التجمع من أجل الجمهورية وليونيل جوسبان مرشح الحزب الاشتراكى خلال الحملة الانتخابية لانتخابات الرئاسة 2002 بزيارة إلى الشرق الأوسط.
كما قامت سيجولين رويال مرشحة الحزب الاشتراكي في بداية 2007 بزيارة إلى الشرق الأوسط كما قام ساركوزى بزيارة الجزائر.
ويرى مراقبون أن أعين المرشحين الفرنسيين على أصوات الفرنسيين من ذوي الأصول العربية، والبالغ عددها حوالى 2 مليون صوت من أصل حوالي ثلاثين مليون يحق لهم التصويت،هي الدافع الرئيس لهذه الزيارات.
وفى محاولة لكسب أصوات عرب ومسلمى فرنسا الذين يشكلون قوة انتخابية مؤثرة لايستهان بها، أطلقت رويال خلال زيارتها للبنان والأراضى الفلسطينية وإسرائيل بعض التصريحات النارية لصالح القضايا العربية وقابلت بعض نواب حزب الله أبرزهم النائب على عمار وانتقدت بعنف الرئيس جورج بوش، معتبرة أن سياسته الشرق أوسطية (كارثية)، لتكون أول سياسية فرنسية تهاجم الولايات المتحدة علنا.
ورغم انتقاد اليمين الفرنسى لتصرفات رويال إلا أنها اكدت أنه لايمكن لأحد أن يمنعها من التحاور مع نواب منتخبين ديمقراطيا أو حكومة شرعية منتخبة ديمقراطيا في إشارة إلى لقائها عددا من وزراء حماس وأكدت حتمية دعم الشعب الفلسطينى أيا كانت الحكومة وطالبت الاتحاد الأوروبى بعدم قطع المساعدات الفلسطينية.
وكان الاتحاد من أجل حركة شعبية ، الحزب اليمينى الحاكم فى فرنسا - قد انتقد بشدة عدم صدور تعقيب من رويال فى بيروت على كلام نائب حزب الله على عمار الذى قيل إنه ربط فيه بين تصرفات إسرائيل والنازية، كما أبدى انزعاجه من لقاءات حركة حماس.
ومن جانبه ، وصف ساركوزى الأخطاء الكثيرة التى ارتكبتها رويال فى الشرق الأوسط بأنها تثير الصدمة، واعتبر أن قبول التحدث إلى عضو فى حزب الله - المنظمة التى تدعو إلى تدمير إسرائيل وتسببت بحرب مع هذا البلد من خلال دخول أراضيها وخطف جنديين - كان خطأ على حد قوله ، كما اعتبر محاولة التحاور مع حركة حماس التى لا تعترف بإسرائيل خطأ جسيم والسماح بإهانة حلفاء وأصدقاء فرنسا سواء كان الأمر يتعلق بالولايات المتحدة أو بإسرائيل، خطأ جسيم آخر، فردت عليه رويال بأنها تتكلم - مثل مؤسس الحزب الحاكم الرئيس شيراك - عن سياسة بوش وأولمرت ولكن بصوت عال.
ورغم مواقفها المؤيدة للقضايا العربية إلى أنها سعت أيضا لكسب أصوات اليهود، حيث توجهت رويال بعد لقائها برموز السلطة الفلسطينية نحو القدس المحتلة لمقابلة وزيرة الخارجية الإسرائيلية لتؤكد لها تمسك فرنسا - فى حالة فوزها بالرئاسة - بالأمن الإسرائيلى قبل أى مفاوضات للسلام. وحفاظا على أصوات الناخب اليهودى، قدمت رويال فى القدس المحتلة دعما صريحا لإسرائيل بتأكيدها ضرورة منع إيران من امتلاك السلاح النووى، بل وطالبت بعدم السماح لطهران حتى بحق الدخول فى مجال البرامج النووية السلمية، وقالت :"يجب عدم السماح لإيران بالتوصل إلى الطاقة النووية المدنية وإلا فإنها ستتوصل بعد ذلك إلى الطاقة العسكرية والسلاح النووي". وأضافت "أمامكم أول مسئولة سياسية تعرب صراحة عن معارضتها لأن تتمكن إيران من الطاقة النووية المدنية، سيكون ذلك موقفى إذا انتخبت رئيسة للجمهورية".
واختتمت رويال زيارتها بمحادثات مع رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود أولمرت، الذى شكرها على مواقفها، وأعرب عن ارتياحه لهذا اللقاء، ليخفف عنها من حدة الانتقادات التى وجهت لها، ولتصحيح مسارها مع أصدقاء إسرائيل، ولتهز صورتها من جديد أمام الناخبين العرب.
وأما بالنسبة لموقف ساركوزى من قضايا العرب والمسلمين فإنه يطغى عليه العداء ، فقد صرح خلال حديث له نشرته صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية في 2 - 9 - 2006 بأن حزب الله حركة "إرهابية".
ورداً على سؤال "هل حزب الله حركة إرهابية؟"، قال ساركوزي "نعم. فمن يسمح لنفسه بإطلاق صواريخ على شمال إسرائيل بدون أن يسأل على من ستسقط هذه الصواريخ فهو يرتكب عمل إرهابي".
وأضاف ساركوزي في حديثه " أن قبول تمويل من إيران التي نعرف ماذا يقول قادتها يعني الوقوف في معسكر الإرهابيين". واستطرد يقول " إن حق الأمن لإسرائيل حق لا مساومة عليه، إسرائيل ديموقراطية. إسرائيل ولدت في الظروف التي نعرفها وضمان بقائها مسئولية أساسية لكل الدول الحرة". وتعتبر الولايات المتحدة حزب الله "منظمة إرهابية" لكن الاتحاد الأوروبي لا يعتبره كذلك. وكان رئيس الوزراء الاشتراكي الأسبق ليونيل جوسبان قد وصف في مارس 2002 قبل ساركوزي حزب الله بأنه "منظمة إرهابية"، خلال زيارة لإسرائيل والأراضي الفلسطينية. وأثارت تصريحات جوسبان حينذاك استياء شديدا في العالم العربي وتعرض رئيس الحكومة حينذاك للرشق بالحجارة في جامعة بيرزيت الفلسطينية.
وفى مطلع مارس 2007 ، تحدث ساركوزى عن رؤيته للسياسة الخارجية لبلاده، وقال إنه يود أن تكون فرنسا شريكا أقرب إلى الولايات المتحدة ، معتبرا أن العلاقات المتينة مع واشنطن ضرورية للحفاظ على توازن العالم.
ويعرف عن ساركوزى أنه أقرب إلى واشنطن من الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته جاك شيراك الذى يرى أن الثقل الأمريكى فى العالم زعزع توازنه .
أما المفاجأة بالنسبة لتأييد القضايا العربية ، فهى مرشح يمين الوسط فرنسوا بايرو الذي أعلن في 31 مارس أنه على خطى الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته جاك شيراك بالنسبة للبنان والعراق والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وذلك في مقابلة نشرتها مجلة "لاريفو دو ليبان" اللبنانية الناطقة بالفرنسية.
وقال بايرو "قررت متابعة الدور الذي طالما لعبته فرنسا بالنسبة للبنان، أي دور المدافع عنه. يجب أن تطبق قرارات الأمم المتحدة تطبيقا كاملا وأن يكون الجيش اللبناني وحده مسؤولا عن الأمن".
وأضاف "يجب مساندة استقلال لبنان ومنع التدخلات الخارجية التي تزعزع استقراره وحث المجموعة الدولية على مساعدته".
يذكر ان الرئيس شيراك كان مع الولايات المتحدة وراء صدور قرار مجلس الامن الدولي رقم 1559 الذي نص على نزع سلاح حزب الله الشيعي بدون ان يسميه وعلى احترام سيادة لبنان في مواجهة سوريا.
كما رعى شيراك مؤخرا مؤتمر "باريس 3" الاقتصادي لدعم لبنان.
وفيما يتعلق بالعراق، اكد بايرو دعم موقف شيراك الذي عارض التدخل الامريكي ، وقال :"هذه حرب غير عادلة. لقد تقررت خلافا لرأي المجموعة الدولية ، وتتحمل الولايات المتحدة فيها مسئولية رهيبة".
وأضاف "أنا لست مبهورا بالمثال الأمريكي ولا بالرئيس بوش. أتمنى أن تصبح أوروبا سلطة توازن سلطة الولايات المتحدة".
وفيما يتعلق بالصراع العربي-الإسرائيلي، طالب بمواقف متوازنة وقال :" أنا مع تأمين سلام وأمن إسرائيل من دون أن أتجاهل آلام الشعب الفلسطيني".
ويتضح مما سبق أن هناك خطرا كبيرا على موقف فرنسا من القضايا العربية والإسلامية إذا فاز ساركوزى أو لوبان لأن هذا يعنى انتهاء ماأسماه البعض "الحقبة الذهبية" للتعاطف الفرنسى مع العرب والمسلمين في الفترة الديجولية .