خطبة سماحة السيد القائد مقتدى الصدر التي ألقيت في عموم العراق بتاريخ 2محرم 1426هـ
الخطبة (96 )
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله أجمعين
بسـم الله الرحمـــــــن الرحيـــــــــــــــــــــــم
هاهو شهر محرم الحرام قد أقبل ، . ليلا أليل ، فيكون ذا كاهل أعبل ، لتشع علينا أنوار محمدية ، بشجاعة علوية ، وشفاعة فاطمية ، بمحبة حسنية ، ودماء حسينية . فذلكم الخير الكثير والفضل العميم ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو فضل عظيم . فهو شهر فيه الدين عاد غريبا بفقدك يا سيدي يا أبا عبد الله ، لكن شاء الله أن يكون دمك ودم أهل بيتك وأصحابك ريا لأرض كانت جرداء فأنبتت ، وكانت قفراء فأنعمت . فأينعت الثمار وأخضر الجناب لنكون لك جندا مجندة ، فنفديك ونهجك بدمائنا يا أبا الأحرار وسيد الأبرار ويا قامع الظلم والأشرار . ولن نخذلك أن شاء الله ، ونكون بحق ممن قال : يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما . عموما فأن هذا الشهر واحد من الشهور التي فيها ضحى أهل البيت بدمائهم وأصحابهم فليس هو الشهر الوحيد ، لكنما ذكر الحسين وذكرهم يبقى مخلد ، فكلما مر الزمان ذكرهم يتجدد . فهو شهر قتل فيه الحسين ظلما وعدوانا فكان الشهيد ابن الشهيد وأخا الشهيد وأبا الشهداء ، فهل من مثيل له من هذه الناحية يا ترى ، فقد نهل من جده من علم ومن فهم ومن نور ومن سهم ، فأبى إلا أن يكون قرب جده وأبيه وأمه وأخيه ، فنال ذلك من رب رحيم . ونحن إذ ندعي لك أتباعا وعلى نهجك انطباعا ، فعلينا أن نقتفي ذاك الأثر فيكون الباطل قد اندحر . وإلا فنحن عن نهجك قد خرجنا ولثأرك قد نسينا . وهذا لا يكون ، فقد تركت في قلوبنا وقلوب المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها حرارة لن تنطفئ إلا بظهور قائدنا ورئيسنا الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ليأخذ بثأرك وثأر من قبلك ومن بعدك من المعصومين والأولياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا . وطبعا كلنا سمع قول الإمام الحسين (سلام الله عليه ) حينما قال : واني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وانما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه واله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين . إذن ، من يرد السير على النهج الحسيني بل نهج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فعليه أن يعرف ولو بعضا من أهدافهم ، وهذا ينطبق على جميع الأزمنة وليس مختصا بعصره سلام الله عليه . وكما بين السيد الوالد (قدس الله سره الشريف ) ذلك في قول الإمام الحسين (ع) حينما قال : من سمع واعيتنا أهل البيت ولم ينصرنا أكبه الله على منخريه في النار . فانه قدس سره قال بما معناه ان من سمع واعية الحق ولم يناصر في يومنا هذا أيضا أكبه الله على منخريه في النار ، وخصوصا بعد أن نعلم ان الواعية هي النداء لو صح التعبير ، ونداؤهم هو نداء الحق وهو أبدي لا يزول . فكذلك السير على نهج الإمام الحسين (ع) باق إلى يوم الدين ومن سار عليه نجى ومن تخلف عنه غرق وخصوصا إذا تذكرنا قول رسولنا محمد (ص) حينما قال : حسين مني وأنا من حسين . فإذن نهجهما واحد إلى يوم الدين ولا ينكر هذا إلا كل جاحد لفضلهم صلوات الله عليهم أجمعين . ولذا فاني أريد ان أبين بعض أهدافه سلام الله عليه من خلال شرح هذه المقولة النورانية التي سار عليها محبوه إلى يومنا هذا ، وخرج عنها مبغضيه إلى يومنا هذا . فأقول : هو سلام الله عليه بيّن لأخيه محمد ابن الحنفية عبر رسالته هذه لتكون منطلقا لتعريف الناس أجمعين بنهجه وسبب خروجه وثورته ضد الظلم والباطل ، لكي لا يأتي بعده كل محرّف وكل حاقد ليغير الأسباب حسب ما يشاء ، كما في الكثير من الموارد مع شديد الأسف . فبعد ان ذكر الله ورسوله ، نفى أن يكون خروجه طلبا للدنيا أو عبثا كما سيأتي بعد قليل ، أو بمعنى من المعاني انه نفى ثم جاء بأداة الحصر (إنما ) وهذه الطريقة فيها نحو توكيد على الأمور المتروكة وتشديد على الأمور المعمول بها لو صح التعبير ، أي لايمكن إضافة أهداف أخرى ولا استثناءات أخر من هذه الناحية وفي هذه المقولة بالذات ، فهي للحصر بها لاغير ، فان أردنا الاستزادة احتجنا إلى دليل أو رواية منفصلة أخرى . لكن قبل أن ندخل بأهدافه ندفع إشكالا ألا وهو لماذا قال : ما خرجت ، والخروج يحتاج إلى دخول لو صح التعبير . فهو من أول حياته ناطق والى حين مماته بل والى يومنا هذا . فنطرح في مورد الإجابة عن هذا الإشكال بعض الاطروحات التي تلغي هذا الإشكال من الأصل ، فما كان المقصود من الخروج هنا هو الخروج من العزلة أو الجلوس في الدار ، فنهجه سلام الله عليه نهج آبائه وأجداده فلا يمكن نعته بهذه الأوصاف فهو ذاك المعصوم من كل خطأ وزلل . إذن ما الجواب يا ترى ، فأقول مرة أخرى أن هناك عدة اطروحات لمعنى الخروج منها : الأطروحة الأولى :
الخروج هنا بمعنى الانتقال من المدينة إلى الكوفة ، فانه خرج من مدينته سلام الله عليه طلبا للإصلاح ثم حدثت واقعة الطف كما هو المعلوم لكل متتبع لتاريخه وما حدث في تلك الأيام . وهذه الأطروحة الظاهرية التي تعطي معنا عرفيا فيقال خرج من حدود تلك الدولة ليدخل دولة أخرى وهو مصطلح موجود إلى يومنا هذا ، ولذا نسمي ما بعد الحدود خارجا ، كما نقول ذهب إلى خارج العراق ، والانتقال يسمى خروجا ، ولا داعي للاستزادة فهو أمر واضح بعونه تعالى .
الأطروحة الثانية: فنقول فيها بان المقصود من الخروج هو خروج من التقية المكثفة لو صح التعبير إلى ما هو اقل منها بحيث تبيح الجهاد والوقوف ضد الظلم والطغيان وخصوصا بعد أن بعث له البعض رسائل مفادها انهم في أتم الاستعداد للثورة ضد الباطل وأهل الباطل . فمن وجد الناصر فعليه العمل بقدر المستطاع في أي زمان ومكان ، وهو سلام الله عليه اعرف بالمصالح والمفاسد ، وهو أعرف بتوقيت الأمور لا محالة .
الأطروحة الثالثة : انه سلام الله عليه كان ذاهبا إلى القتال ، وفي حينها كان الذهاب إلى القتال يسمى خروجا ، فيقال : خرجت للقتال وخرجوا للقتال وهكذا ، وهو مشابه لقولهم : برز للقتال . وحسب فهمي ان منشأ هذا هو الترابط بين القتال والخروج ، حيث لاقتال إلا مع الخروج في أغلب الأحيان . ولا يمكن أن يكون الشخص جالسا في داره وهو مجاهد في نفس الوقت ، إلا إذا سمي دفع المحارب جهادا . إذن فليس المقصود من قوله سلام الله عليه ( ما خرجت) أي انه كان جالسا ، فهو تعبير عرفي كما تقول عرفا : قمت بعملي ، فانك تقوم ببعض الأعمال وأنت جالس ، ومنه أيضا قم إلى الصلاة فانه أمر للجالس والواقف معا ، ومن صلى جالسا أو واقفا فيقال لها أقامها . عموما فإنها ألفاظ عرفية وليست معاني لغوية دقيّة . وبناءا على هذه الأطروحة يمكن القول بانتفاء الإشكال السابق ولو في الجملة أما نقضا واما اثبات. ثم قال سلام الله عليه : (ما خرجت أشرا ولا بطرا) والأشر هو البطر والبطر هو الأشر ، فهما ذوا معنى واحدا ، ولذا فانه إذا قيل : لم هذا التكرار ، قلنا : أولا : وهو جواب نقضي ان الأشر هو البطر لكن البطر فيه تشديد وزيادة أو قل الأشر معناه المرح ، والبطر زيادة في المرح ، والمشدد يختلف عن غيره بطبيعة الحال ، إذن فلا تكرار على الإطلاق . ثانيا: وهو تنـزلي ، أي لو تنـزلنا وقلنا انه تكرار ،فأي إشكال يترتب على التكرار ، وخصوصا بعد أن نعلم ان في نفس التكرار تشديد ، وتأكيد ، كما تقول نعم نعم يا ربي ، فهو تأكيد في الاستجابة ، فكذلك هنا فكأنه سلام الله عليه يؤكد ان خروجه ليس بطرا . هذا ويمكننا القول بأنه للترقي أي ما خرجت بطرا بل ما خرجت أكثر بطرا ، وان البلاغة تقتضي في الترقي الابتداء بالقليل ثم بالتشديد إذا كان في مورد النفي دون الإثبات بطبيعة الحال ،كما في قوله تعالى : لا تأخذه سنة ولا نوم ، فكما لم يكتفى بالسنة عن النوم فلم يكتف سلام الله عليه بالأشر عن البطر ، وكما ان الآية في مورد النفي أي نفي السنة والنوم عنه جل جلاله ، فكذلك قول الإمام سلام الله عليه فان (ما) نافية ، وطبعا هو القران الناطق كأبيه سلام الله عليه ، فهم من يفسر القران ويطبقونه خير تطبيق . ومن ثم قال (ع) : (ولا مفسدا ولا ظالما إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (ص)) وهنا نفي للإفساد واثبات للإصلاح وهو زيادة في التأكيد أيضا ، بل قد يكون للتعيين ، وخصوصا بعد أن نعلم ان بين النقيضين أمرا آخرا ، فيمكن أن يقال ان فلانا غير مصلح وغير مفسد ، فلذا قال للإصلاح حتى ينفي كون خروجه عبثيا ، بل ان بقوله هذا اثبت انه مصلح وليس تاركا للأمرين لو صح التعبير . وهنا يمكننا القول ان الهدف من خروجه سلام الله عليه هو الإصلاح لا الفساد ولا الظلم ولا ما بينهما ، فهو نعم والمصلح ونعم العادل ، وحسب فهمي فان الإصلاح عادة بل غالبا لا يكون إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلولاه لما زال الفساد ومعه فلا إصلاح ، فلذا فان قوله سلام الله عليه ( أريد ان آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)بدل من قوله (إنما خرجت لطلب الإصلاح ) فان قيل : انهما النتيجة والمقدمة ، والإصلاح هو النتيجة والأمر والنهي هو المقدمة ، قلنا : ان هذا الكلام غير تام في جهتين :ـ الأولى : هناك فرق بين الإصلاح والصلاح ، فالإصلاح هو نفس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بغض النظر عن النتيجة ، أي يمكن القول ان فلان أراد الإصلاح فلم ينصلح المجتمع ، فالإصلاح هو المقدمة والصلاح قد يأتي بعد المقدمة وهو حال استجابة المجتمع وإلا فلا . فان قلت : لكن هذا لا ينطبق على الإمام أو قل المعصوم فان نتائج أفعالهم ذات تأثير إيجابي لا محالة وخصوصا بعد أن نعلم بأنهم مسددون إلهيا . قلنا : قال تعالى : وما على الرسول إلا البلاغ ، فليس من واجب الرسول بل المعصوم أن يحقق النتيجة بل عليه أن يحقق المقدمة وهي الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس الصلاح ، كما قال تعالى : انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء . الثانية : ان الإصلاح غير منحصر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وخصوصا بشخصية مثل الإمام الحسين سلام الله عليه، فان نفس وجوده هو إصلاح للمجتمع . وهذا الكلام بنظرة أولية لا بأس به عموما ، لكن لو دققنا لوجدناه غير دقيق ، فيمكننا ان نتقدم خطوة أخرى ونقول : ان وجوده إصلاح لا صلاح ، وإلا لما قتل ، أو قل وجوده أمر بالمعروف ونهي عن منكر ، فوجوده مقدمة لا نتيجة بطبيعة الحال . إذن ذكره سلام الله عليه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد الإصلاح هو ليس ذكر للمقدمة والنتيجة ، بل هو على نحو التساوي والبدلية كما قلنا ، فالإصلاح هو نفس الأمر والنهي ، فأما أن يستجيب المجتمع أو أن يبقى على غيه وفساده كما هو حال أكثر المجتمعات مع شديد الأسف وهذا لا يدل على فشل المعصومين على الإطلاق ، بل ان دل على شيء فهو يدل على انحطاط المجتمعات ليس إلا ، فانهم يحتاجون إلى قائم بالسيف كالإمام المهدي (عج) ، ولذا فان السيد الوالد (قدس سره الشريف) قد طرح أطروحة ألا وهي ان ما يحدث عبر مر السنين هي مقدمة للتخطيط الإلهي ألا وهو ظهور الإمام (عج) ليتحقق العدل والأطروحة الكاملة ، فعدم استجابة الأمم والمجتمعات هو أيضا مقدمة لظهوره ليقوم بواجبه المعروف ، وإلا لما بقي للنار حطب ؟؟. ولعل الدليل موجود على ان المعصوم يجب عليه المقدمة فقط أي يجب عليه الإصلاح لا الصلاح ويجب عليه التبليغ فقط والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس إلا ، والدليل هو قوله سلام الله عليه : (فمن قبلني بقبول الحق والله أولى بالحق ومن رد عليّ هذا،أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين ) أي من قبل كلامي واهتدى فالله أولى بالحق وإلا فعليه ضلاله . وطبعا الإصلاح هو أحد خطى جده رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، فهو نعم السائر على نهج وخطى آبائه وأجداده صلوات الله عليهم أجمعين ، فلذا قال (ع) : ( وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب ) ، إذن فنقول انه أهدافه سلام الله عليه :هو الإصلاح بواسطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويمكننا القول بأن من أهدافه هو السير على نهج آبائه وأجداده ،وطبعا إذا كنا ندعي السير على خطاه وندعي اننا من أتباعه وأنصاره وممن يقولون يا ليتنا كنا معهم فنفوز فوزا عظيما فعلينا السير على خطاه ، وننجح أهدافه فنكون من الصالحين ، ولا أقول نكون من المصلحين فالإنسان لايمكن أن يصلح إلا بعد أن يكون صالحا ، فأصلح من نفسك وسر على نهج الرسول وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين وعلى نهج الأولياء والصالحين والصديقين والشهداء وبعد ذلك ستكون من المصلحين ان شاء الله وإلا قد تفسد وأنت لا تعلم ؟ . وهذا لا يكون إلا بالتأسي بهم سلام الله عليهم ، صحيح انك لا تصل إليهم لكن اجعل لك هدفا عاليا لكي تصل إلى ما دونه بقليل ، فان اخترت أقل من ذلك فسوف تصل إلى ما دونه أيضا فهذا هو الغالب إلا من عصم الله . فحدد لك يا أخي هدفا ساميا وسر على خطى الرحمن لا الشيطان وتأسى بأهل البيت سلام الله عليهم عسى أن يشفعوا لك ولن يشفعوا إلا لمن ارتضى الله جل جلاله عنه .(ســـورة القـــــــدر)
مقتـــــدى الصـــــدر